والمؤلفة فنانة لبنانية معروفة تجمع بين الممارسة الميدانية كفنانة جرافيك، والنشاط الأكاديمي كباحثة ومنظرة وأستاذة في مجال التصميم الفني ببلدها الأمر الذي يحرر كتابها من جفاف اللغة الاكاديمية ويمنحها حسا طازجا في تعريف القاريء بمنهج البحث وآلياته.
فهي تنظر للصورة كأداة للاتصال الجماهيري فضلا عن حضورها كمادة للبحث التاريخي وتهتم اهتماما كبير ا بدلالات الصور والعلامات التي تنتهجها، لان سرديات النزاع لم تكن مقصورة علي النصوص السياسية، فالصور أيضا تحمل خطابها السياسي.
الكتاب قدم له مفكر لبناني معروف اشتغل علي موضوع الحرب وهو فواز طرابلسي مشيرا الي قراءة معاصري تنظر الي الملصقات بأعتبارها أسلحة' وفي مقدمته يعدد طرابلسي بعض نظريات قراءة الصورة خاصة ما ذكره الألماني هورست بريد كامب عن الصورة الفعل، فهو يفترض ان الصور لا تموت وانما تبعث دائما في ولادات متجددة تضمن لها الحياة.
ومن الغريب ان طرابلسي اسقط من مقدمته ما كشفته سوزان سونتاج في تحليها لصور الحرب في كتابها البديع' الألتفات الي ألم الأخرين' الذي رغم تركيزه علي الفتوتوغرافيا الا انه يعين في تقصي منابع الألم، وهو معني لم يفرض نفسه علي منهج معاصري التي انشغلت بالعلاقة المتبادلة بين الأنتاج البصري والصراع السياسي، لذلك عملت علي اللقاء مع عدد كبير من مصممي هذه الملصقات لفهم الدافع لصناعة الملصق وهل كان مهنيا أم سياسيا اضافة الي تقصي المفاهيم الجمالية التي قادت كل فنان لأنتاج نصه الذي تجاوز عندها دوره ي عملية' الدعاية' لفصيل أو تيار سياسي.
قبل عملية التحليل بذلت المؤلفة جهدا في تجميع الملصقات وارشفتها ثم حفظها رقميا، تري المؤلفة خلال بحثها أن الملصقات ليست وليدة الدعاية السياسية( البروباجاندا/ الدعاية) البحتة أو العمل الجماعي الاحتجاحي الملتزم. الملصقات ليست أداة قسرية للبروباجاندا أو شكلا بريئا من أشكال العمل السياسي الشعبي وانما هي مساحة لصراع ثقافي نتيجة تفاعل الهويات السياسية والثقافية والاقتصادية.
تؤمن معاصري أن الملصقات تختزن الآمال والمخاوف والمعتقدات الجمعية لمختلف الفئات المشاركة في الحرب. وفي الحالة اللبنانية، لم تكن هناك قوة واحدة قادرة علي فرض رؤية سياسية طاغية تولد ثنائية بين خطاب مهيمن وخطاب بديل معاد، مما يجعل صناعة الملصق اللبناني للحرب الأهلية تشذ عن النموذج الكلاسيكي للملصقات ذات ثنائية الخطاب المهيمن والخطاب البديل...
يتضمن الكتاب الي جانب الخبرات التحليلية المثيرة للتأمل بمنهجها الخصب، جدولا توضيحيا للملصقات، يقدم تسلسلا زمنيا لاحداث الحرب بين أعوام 1975 ـ1990، تدعمه معلومات رئيسية عن فصائل الحرب وتعتني فصول الكتاب بالمكونات الجمالية والتقنيةفي تصميم الملصق، وتدرس معاصري عبر اربعة فئات رئيسية للملصق، مواضيع الاتصال المتواترة فيه، عبر مختلف الاحزاب وهي' الزعامة، احياء الذكري، الشهادة، الانتماء، كما تدرس الثقل الذي تنطوي عليه، ويعرض الكتاب عينة من150 ملصقا اختارتها الكاتبة من بينها تصميمات لمصممين مصريين أبرزهم حلمي التوني، الامر الذي يجعل كتابها وثيقة دالة علي سنوات من الصعب نسيانها.
ترجمة عماد شيحا
مراجعة بيار أبي صعب
رقم الإيداع الدولي: 5-74-417-9953-978
بين عامي ١٩٧٥و١٩٩٠، غصّت جدران المدن والقرى اللبنانيّة بالملصقات السياسيّة التي نشرتها مختلف الأطراف المتحاربة، بغية تعبئة أنصارها وإثارة تعاطف شعبيّ مع قضاياها. هكذا ترافق الأداء العسكري على الجبهات وخطوط التماسّ المتغيّرة، مع حرب أخرى تدور حول العلامات البصَريّة، والاستيلاء الرمزي على الأرض.
في هذا الكتاب الغنيّ بالوثائق البصَريّة، تسرد لنا زينة معاصري مسار النزاع على لبنان وخلفيّاته وتجسيداته، من خلال حرب الملصقات التي اجتاحت شوارعه، واحتوت على معانٍ ودلالات متناقضة، وممارسات جمالية متنوّعة. ترصد معاصري اختلاف التداعيات البصَريّة وتحوّلاتها في زمن الحرب، وتربطها بتعدّد تجلّيات الهُويّة السياسية والمتخيل الجماعي وتحوّلهما في خضمّ النزاع الأهلي. وتقترح إعادة نظر جذريّة لمفهوم الملصق السياسي الذي طالما اختزل إلى مجرّد أداة إقناع جماهيرية أو «بروباغندا».
يجمع «ملامح النزاع» بين الإحاطة بسياق الحرب الأهليّة اللبنانيّة، والرصد التحليلي لتجلّياتها البصَريّة والإعلامية. ويقدّم مساهمة لافتة في فهم حيثيات الثقافة البصَريّة، وتوظيفها لقراءة تاريخ الصراعات السياسية في لبنان والعالم العربي.
تمّت الترجمة إلى اللغة العربية بمساهمة المعهد الفرنسي للشرق الأدنى.
تم انتاج هذا الكتاب بدعم مالي من مؤسسة هينرش بل ــ مكتب الشرق الأوسط.
تشّكل مقدمة الكتاب خير مدخل لولوج هذا البحث الشائق الذي يعيد استكشاف الحرب اللبنانية الطويلة. هي «حرب الآخرين»، و«حرب في سبيل آخرين»، وحرب أهلية مروعة تقاتل فيها أطرافها بحماسة قّل نظيرها، وعنوانها المكّرس، محليا وعالميا، «الحرب اللبنانية». بحسب تعبير فواز طرابلسي، تعيد زينة معاصري «رسم الخطوط الفاصلة بين الذاكرة وفقدان الذاكرة» بدأب وتأّن، من خلال مئات الملصقات جمعتها ووثقتها وأرشفتها.