الشهادة فكرة حاضرة بقوّة في ملصقات الحرب، وميّزت عدداً كبيراً منها. فمفردات الشهادة، وتداعياتها عبر الزمن، مفعمة برموز عاطفية عن الشجاعة والتضحية والفداء والنبل والتفاني. وإذا كان تمجيد الشهداء منسوباً ـ في معظم الحالات ـ إلى القادة التاريخيين، فإنّ الملصقات المقدمة في هذا القسم تمجد المناضلين الذين سقطوا في مجرى الحرب. وكانت الوظيفة الأساسية لملصقات الشهداء نعياً شعبياً، مرفقاً بنبذة موجزة عن الشهيد. فملصق الشهيد يصدر عن الحزب السياسي الذي يتصرّف كـ«أسرة» الفقيد، للتبليغ عن خسارة أحد أعضائه، ومن ثَمّ لتكريمه.
تنافست الأحزاب السياسية على المجاهرة بمشاركتها الحماسيّة على جبهات القتال. من هنا المزايدة في إعلان عدد الشهداء الذين «قدمهم» هذا الحزب أو ذاك، للقضية الجامعة بين فصائل الجبهة الواحدة. ويتجلّى ذلك خصوصاً، حين تعلن الأحزاب عن شهدائها بصورة جماعية، في ملصق واحد. بذلك، يكون الحزب كرّم شهداءه، مؤكّداً على نبل القضية، بقدر ما مَجّد نفسه من خلال ذكر عدد الشهداء الذين سقطوا باسمه.
ومن الصعب تجنّب الطابع الحاد لملصقات الشهداء، فهي تواجهنا بالعدد الهائل من الأشخاص الذين ضحّوا بحياتهم عن قناعة. يؤكد كلّ ملصق، بالأسلوب المكرّر نفسه، على موت إنسان: فنحن نرى الوجه، ونقرأ الإسم، ويوم الولادة والاستشهاد... ملصقات الشهداء مذهلة ببداهتها. في حين تبدو الملصقات التي يتناولها المعرض في المحاور الأخرى، مؤثرة من خلال الخطاب المثالي، والقضايا السامية، والأعمال البطولية، والقادة الأسطوريين، فإنّ ملصقات الشهداء تفيد بأنّ تلك الشعارات جسّدت «واقعاً» حيّاً لهؤلاء الذين سقطوا من أجل قضيّتهم.
يمثل هذا الجزء الذي يتألّف من أقسام منفصلة، الحلقة المركزيّة للمعرض. فهو يتناول أربع ثيمات تختصر المواضيع السائدة في رسالة الملصق بشكل عام، على اختلاف الفئات التي أصدرته، وعلى اختلاف مراحل الحرب التي صدر فيها: الانتماء، إحياء الذكرى، الزعامة، الشهادة. يعالج كل محور نقطة الثقل التي تنطوي عليها ثيمة محدّدة في الفضاء التخاطبي للحرب اللبنانية، كما يكشف عن كيفية تمثُّل الأفكار السائدة من خلال تلك الثيمة. هكذا يسمح كل قسم برصد تعددية الخطاب السياسي، ومختلف أشكال التمثُّل البصري للفكرة ذاتها، مسلّطاً نظرة مركّزة تسمح بالمقارنة بين شتّى الفئات السياسية.